الخميس، 12 يناير 2012

في معنى كلمة " واضربوهن" في الآية 34 النساء


في معنى
كلمة " واضربوهن" في الآية 34 النساء

أ / أحمد عبد الهادي الصغير


قال تعالى: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا } الآية 34 النساء


قبل دراسة هذه الآية أوضّح أنني مقتنع مئة بالمئة أنه لا يوجد أي تناقض بين أحكام القرآن والأحاديث الصحيحة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام . فهل هناك حديث صحيح يسمح بضرب المرأة ؟ أخرج البخاري 5 / 1997 الحديث رقم 4908 , ومسلم 4 /2191 / 2855 , وابن حبان 9/ 500 , 501 الحديث رقم 4190 , والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 305 الحديث رقم 14557 عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم .
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه 9 /442الحديث 17944من طريق معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره.

وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تضربوا إماء الله .

هذه أحاديث صحيحة ومقنعة تنهى عن ضرب المرأة . ولم ترد أية رواية تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب إحدى نسائه أو حتى أحد الخدم أو العبيد. وليسمح لي القارىء أن أورد بعض الأحاديث الضعيفة وأناقشها:

روى الترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا ًغير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ( هذا الحديث ينسب إلى أن الرسول الكريم قاله في حجة الوداع أي أن الإسلام قد اكتمل. والفاحشة المبينة عقابها في الإسلام إقامة الحد وليس الهجر والضرب غير المبرح )

أخرج أبو داوود وابن ماجه والدارمي والحميدي عن عبيد الله بن عبد الله عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب واخرج ابن سعد والبيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنه هذه الرواية :

كان الرجال نهوا عن ضرب النساء ثم شكوهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلّى بينهم وبين ضربهن ثم قال : ولن يُضرب خياركم . ( ما أظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي تفويضاً غير مشروط بضرب الرجال لنسائهم ويصدر حكماً مسبقاً بأن المرأة التي تُضرب تستحق الضرب وأنها ليست من خيار النساء . )

ذكر اسماعيل بن اسحق قال: حدثنا حجاج بن المنهال وعارم بن الفضل قال حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقول: إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي لطم وجهي . فقال : بينكما القصاص فأنزل الله تعالى: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه" . وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت الآية : " الرجال قوامون على النساء" .

وقال أبو روق إن هذه المرأة هي جميلة بنت أبي وزوجها ثابت بن قيس بن شماس . وقال الكلبي إن هذه المرأة هي عميرة بنت محمد بن مسلمة وزوجها سعد بن الربيع. ان هذه الرواية تقول إن الرسول الكريم حين سمع من المرأة أن زوجها لطمها قال: بينكما القصاص.

أولاً : الرسول رجل عاقل وعادل ويعرف شريعة الله التي نزلت عليه , وليس أحمقاً يتسرع في إصدار الأحكام .

ثانياً : هل فوراً نزل الوحي على الرسول ونزلت الآية __ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه _ ؟ وكأنها تقول للرسول لا تصدر حكما وانتظر حتى تتبلغ الحكم من السماء! ولماذا لم يتبلغ الحكم مباشرة من السماء ؟ هل الرب سبحانه بحاجة إلى مهلة ليدرس الموضوع ويصدر الحكم؟
ثالثاً : هذه الرواية تقول إن الرسول أصدر حكماً وإن السماء أبلغته أن حكمه باطل . وهذا شيء مستبعد لأن للرسول (ص) مكانةً عند الله . والشرائع السماوية والأرضية تقضي أن الرسل تتحدث باسم الجهات التي أرسلتهم.
عندما أذن الرسول لبعض المنافقين أن يتخلّفوا عن القتال جاء الخطاب من السماء: _ عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم- .
وحين وافق الرسول صلى الله عليه وسلم على أخذ الفدية من أسرى بدر لم يطلب منه الله عز وجل إلغاء قراره وإنما عاتبه: - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض _ . وفي قصة خولة بنت ثعلبة التي أفتى لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن الظهار هو طلاق , أنزل الله نصاً صريحاً في الآية بهذا الشأن - لقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله _ .

رابعاً : معنى هذه الرواية أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة التي لطمها زوجها: إن الله لا علاقة له بما بينك وبين زوجك. ومن حقه أن يضربك ولا يسأله الله عن ذلك . فاذهبي عنا. هل هذا معقول؟
ولذلك أستبعد صحة هذه الرواية . فإن القوامة من الرجل على المرأة مسؤولية وليست سلطة مطلقة).
إذن لم يسمح الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب المرأة . والآن إلى موضوع هذه الآية 34 النساء :
هذه الآية تقول : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن . المرأة لم تنشز بعد . ولكن إذا لمس الرجل عند زوجته بداية أو استعداداً للنفور والنشوز فعليه توعيتها وموعظتها , والخطوة الثانية أن يمتحن مكانته عندها فيظهر الجفاء ويهجرها مع بقائه إلى جانبها في الفراش . والخطوة الثالثة عبّر عنها القرآن بكلمة " واضربوهن " . فماذا تعني هذه الكلمة ؟ هل تعني الضرب باليد أو العصا ؟ إنها لم تنشز بعد . هل يضربها على ذنب لم ترتكبه بعد ؟ ماذا تعني هذه الكلمة ؟ إن قائلهاهو الله الذي لا يخطىء لا في التقدير ولا في التعبير .
الفعل "ضرب" هو من أفعال الأضداد. ضرب في الأرض أي سافر. ضرب بنفسه الأرض أي أقام. ومضارب القوم أي خيامهم واماكن إقامتهم. ضرب تعني الضرب المعروف باليد أو العصا. وضرب الفحل الناقة أي نكحها. وهنالك مثل يقول : ضراب الفحل من السحت أي تقاضي ثمن ضراب الجمل للناقة محرّم . إذن : ضربَ الرجل المرأة تحمل المعنى وضده . تعني الضرب باليد أو العصا , وتعني التودد والتقرّب والمغازلة . نعود إلى الآية موضوع البحث فيتضح لنا المعنى جليّاً : واللاتي تخافون نشوزهن فإن الخطوة الأولى : الموعظة . الخطوة الثانية : الجفاء ( اهجروهن في المضاجع ) . الخطوة الثالثة : ( اضربوهن ) أي توددوا إليهن وأظهروا لهن المودة والغزل . هذا هو المعنى الذي يستقيم مع التحليل اللغوي ومع سياق الآية ومع المنطق السليم . والذي فهمه الرسول صلى الله عليه سلم , حين قال : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .
ومن مشتقات الفعل ضرب ما يتناسب مع معنى ضرب الوارد في الآية : ضرب القلب: أي خفق ونبض. ضرب خاتماً من الذهب أي صاغه . ضرب الدرهم : أي طبعه. ضرب الوتد: أي ثبته في الأرض .
والتوثيق الرقمي في القرآن يدعم المعنى بأن كلمة واضربوهن في الآية 34 النساء تقابل كلمة المعروف الواردة في الآية 19 النساء حيث قال تعالى: { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا} .


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق