الخميس، 12 يناير 2012

المجتمع الذكوري بين الضرب والحيض





"ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا" النساء124
"فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" آل عمران 195


مما لا شك فيه أن المجتمع الإسلامي يغط فى ذكورية بحتة. ولقد شكل هذا المجتمع التقاليد والأعراف بطريقة تتناسب والفكر الذكوري الذى يعطى الفرصة كاملة للرجل للسيطرة على عقلية المرأة وشل تفكيرها. بل وصلت الذكورية لدرجة تأويل شريعة الله فى قرآنه للخروج بقوانين وأحكام تناسب الذكر وتعطيه الدنيا والآخرة وتسحق المرأة فى الدنيا وتجعلها من أكثر أهل النار فى الآخرة. المجتمع المصري وما يغلب عليه من مظهر ديني - من البديهي أن - يظهر عليه أعراض الذكورية وبوضوح. أنا لست بصدد نقاش هل تدين المجتمع المصري مظهرى أو جوهري ولكن ما يعنينى هو التدين الذكوري الذى حقر من شأن المرأة وأرجعها عشرون سنة للوراء! للأسف تخلف الأنثى فى مجتمعنا المصري يحدث بجهالة و بإعتقاد ديني خاطىء.


بالرغم من الثورة النسائية وتحرير الأنثى المصرية فى أوائل القرن العشرين على يد قاسم أمين والشيخ محمد عبده، إلا إننا عدنا بالمرأة مرة أخرى إلا ما هو أسوء من عصر الحرملك. ففى عصر المتأسلمين والمستدينين أصبحنا نسمع كلمات ومصطلحات دخيلة على الإسلام وبعضها نسب لرسول الله للترهيب والترغيب. فبدأوا بأن المرأة أقل من الرجل وليقنعوها قالوا أن رسول الله المبلغ الأمين قال عنها أنها ناقصة عقل ودين!! وللإمعان فى إذلالها قالوا على لسان نبى الله محمد – عليه صلاة الله وسلامه – أنها من أكثر أهل النار. خافت المسكينة من أن تكون من أهل النار وعلمت أن دخول الجنة يأتى بطاعة ما يقوله المتأسلميين من سخافات وجهل. فأغلقت عقلها لأنه لا يضاهى عقل المتأسلميين ودينها ليس كدينهم. ثم إبتدعوا الحجاب وأوهموا المرأة بأنه الطريق السريع إلى الجنة. تناسوا تقويم خلق المرأة كسيدة وكأم وتناسوا دورها فى بناء مجتمع صحي متقدم. أغفلوا كل مهام المرأة فى النمو بالأمة الإسلامية وقالوا أن كل دورها هو الصلاة والصوم وإرتداء الزي الإسلامي!!! والله وحده يعلم من أين أتوا بأن الحجاب هو الزي الإسلامي!! لبست المرأة الحجاب وسمعت الكلام فطلعوا عليها بالنقاب لأنه الزي الشرعى الحقيقي وأن الحجاب ما هو إلا سفور ونفاق!!!!


أي أن المجتمع تفنن فى التلاعب بالمرأة وتدمير حياتها. والحمد لله ومن فضل الله عليهن أن غالبية نساء مصر لا يشعرن بهذه المهانة ولا هذا العذاب. فتجد الكثيرات يرددن الكلام الذى حفظوه عن ظهر قلب. ترى الأم المتعلمة تؤكد على أن المرأة عورة وفتنة وشر وإبتلاء على الرجال. تسمع الصديقة المتعلمة والتى تقول لك أن الله أمر الرجال بضرب المرأة لذلك فلا حياء فى الضرب...قصدى فى الدين! وتجد الجدة المتعلمة والتى تقول أن المرأة تعلق من كل شعرة – رآها رجل - فى الآخرة. تقول لك المعلمة أن الله كتب على حواء العذاب فى الدنيا لأنها سبب إخراج البشر من الجنة... وكأن الله فى قرآنه لم ينصف المرأة عندما قال: "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " طه 120 .


لن أناقش الأسباب أو الحلول ولكن سأطرح آيتين بسيطتين والدلالة منهم عظيمة. فهم أكبر دليل على أن تأويل القرآن يتم بفكر ذكوري بحت وليس بفكر إسلامي خالص النية لله. لقد شكل الذكر المسلم كل شىء ليخدم إحتياجاته وخوفه من إنطلاقة المرأة العقلية. فحتى أيات الله فسرها بطريقة تخدم حجته وتعطى المرأة الإحساس والشعور بالإنكسار والتبعية. الآية الأولى هى: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن" النساء 34. والآية الثانية هى: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن" البقرة 222. هذا التحليل الذى سأقدمه مفسر من وبالقرآن وخالص النية لله جل جلاله.


الآية الأولى : "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن" - النساء 34


أنا من المؤمنين بأن القرآن يفسَر بالقرآن. وإذا أردت أن تعرف معنى كلمة قرآنية فأبحث عن مثيلاتها فى القرآن وقارن بينهم لتصل إلى أقرب المعانى بإذن الله. كم من التأويلات سمعنا للآية السابقة. كم من الأحاديث نسبت كذبا لرسول الله فى محاولة لإثبات أن المرأة واجب الضرب الجسدي عليها. كم من مؤيدين ومعارضين حاولوا تفسير الآية بطريقة تناسب عقليتهم ونظريتهم. أستوقفتنى الآية كثيرا وقرأت وسمعت كل التفسيرات والتى لم تكن منطقية من وجهة نظري. ترى البعض يقول أن المرأة واجب فيها الضرب الجسدي وآخرون يقولون بل ضرب خفيف بالمسواك. وترى آخرين يقولون بل ضرب نفسي وهكذا كثرت الأقاويل.


إذا تدبرت مواضع كلمة "الضرب" فى القرآن الكريم للتوصل لمعنى يتناسب مع الدين الإسلامي ستجد أن كلمة ضرب ذكرت فى 54 آية مفصلة منزلة من العزيز الحكيم. و أختلف المعنى و أتفق فى كثير من الآيات. فالضرب فى القرآن جاء بالمعاني التالية:
• إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة - أي يبين ويوضح
• فقلنا اضرب بعصاك الحجر- أي يضع شىء فوق شىء: العصا على الحجر ومثال قرآني آخر: فقلنا اضربوه ببعضها.
• وضربت عليهم الذلة والمسكنة – أي كتبت وقدرت
• إذا ضربتم في سبيل الله – أي مشيتم وإبتعدتم عن الشىء. ومثال آخر: وإذا ضربتم في الأرض. أي أبتعدتم عن نقطتكم الحالية. وأخذنا منها قولنا (الإضراب عن الطعام) أي الإبتعاد عنه


لقد ترك المفسر الذكوري كل كلمات الضرب فى القرآن ولم يتوصل إلا للمعني الذى يشفي غروره كرجل وحبه الطبيعي للتجبر. فلقد فسر الفقهاء الأجلاء ومن وراءهم المسلمين المغيبين الكلمة على أنها أذى جسدي فى حين أنه لا يوجد فى أيات الله وقرآنه ما يشير إلىأن كلمة ضرب تعنى أذى جسدي. والأقرب إلى المعنى والتفسير هو الإبتعاد والإنتقال إلى نقطة أخرى. والضرب الجسدي كلمة حديثة مأخوذة عن ضرب الشىء بشىء آخر. وعندما أراد الله أن يتكلم عن العذاب الجسدي فى قرآنه كان يستخدم كلمة "أذى" ومثال قرآني: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما". أي ان الله لم يستخدم كلمة الضرب كمعنى للعقاب ولكن هكذا فسرها المسلمون على أهواءهم لإرهاب النساء فى مجتمع كثر فيه شتى أنواع الإرهاب.


وكما قلت، لا يوجد ضرب بمعنى أذى فى القرآن. ولذلك المعنى الوحيد المتبقى والذى يتماشى مع الآية القرآنية هو الإبتعاد والإمتناع. ولكن حب الذكر العربي للأذى ورغبته فى التملك قادت فكره لتأويل الآية على أهواءه السادية. فالله عندما أراد أن يعاقب الأنثى التى تأتى بالفاحشة ترأف بها وقال: "واللاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا". لم يقل سبحانه أرجموهن أو أقتلوهن أو عذبوهن أو حتى أضربوهن، ولكن قال أمسكوهم فى البيوت حتى الموت أو التوبة. هذا هو الله يا مجتمع يستمع لأهواء قلبه فقط ولا يستمع لصوت الحق. هذا هو الله الذى رحم الأنثى بشتى الطرق ولم ترحموها أنتم بنيران ألسنتكم التى تتشدق بالدين عن جهالة.




هذه آية من عشرات الآيات التى فسرها الرجال بطريقتهم الخاصة لإذلال النساء ولم يتوقف عاقل للحظات ليتساءل أين الضرب الجسدي فى القرآن ولماذا نفسر الكلمة على أنها ضرب جسدى للمرأة وليس إضراب عن المرأة الناشز؟!!!!


الآية الثانية: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن" البقرة 222.


الآية الثانية أبسط وأرحم فى حكمها عن الأولى ولكن تأويل هذه الآية هو أكبر دليل على أن الرجل المسلم يعتقد أن الكون وخَلق الله كله مسخر له وخُلق من أجله. فتجد الناس رجال ونساء – فى المجتمع الذكوري – عندما يناقشون هذه الآية يؤكدون على أن الله أمر الرجل بإعتزال المرأة لأن الدم نجس ويعرض الرجل للأذى!! لم تجد واحد يقف ويفكر هل الأذى أذى للنساء أم للرجال؟ كل الرجال يفكرون فى أنفسهم فقط عند قراءة الآية الكريمة ولم يدرك أحدا أن عظمتها تكمن فى رحمة الله بالأنثى المسكينة والتى يعلم أن هناك من سيجبرها على المباشرة "إذا أراد"!! فأمرهم الله بإعتزالها تماما جنسيا فى فترة المحيض لأنه أذى تتحمله الأنثى وليس هناك داعى لأن تتحمل ما هو أكثر من ذلك:" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".


كلمة "أذى" ذكرت فى القرآن فى سبع آيات وكلها كانت تحتوى على معنى واحد وهو الألم النفسى/الضيق. فمن أين جاء الرجال بأن الأذى يقع عليهم هم وأعتقدوا خطأًًً أن كل آيات الله أنزلت من أجل سواد أعينهم ولحمايتهم من أذى النساء العضوي والدنيوي!!! "أفلا يتدبرون القرآن" لماذا لا نضع الأمور فى نصابها الحقيقي ونعطي المرأة حقها كما أكرمها الله. لقد أبتدعنا أحاديث عن الحيض وأدعينا أن فيها رحمة للنساء. وهل هناك ما هو أكثر من رحمة الله عندما يقول للرجال أن يرحموا المرأة فى وقت حيضها لأن ما بها من أذى يكفيها. وهل بعد رحمة الله يوجد رحمة أخرى. كان يجب أن تخلق هذه الأحاديث لترحم المرأة بعد أن شوه الرجال تأويل القرآن وأوهموا المسلميين أن يعتزلوا النساء فى المحيض حتى لا يقع عليهم الرجس النسائى من الأذى المحيضي!! كان يجب أن تأتيهم أحاديث تححببم فى المرأة بعيدا عن الأذى الذي يصلهم من الحيض. لم يتدبر رجل واحد المعنى ويفكر ويصل لحقيقة أن الأذى أذى المرأة والألم ألم المرأة وان الرحمن الرحيم أدرى بعباده وبنفوس خلقه من الرجال. لم يترك الله مجالا للقيل والقال فأمر الرجال بالأبتعاد جنسيا عن المرأة لم فيه من أذى عليها هي وليس هو!!


أتمنى أن يكون الهدف قد وصل وأتمنى أن ننمو ولو قللا بعقول رجال المسلميين حتى تستعيد المرأة مكانتها مرة أخرى وبالتالى تستعيد الأمة مكانتها العالمية. أتمنى أن يكون القرآن شفاء ورحمة لنفوسنا المدمرة الضعيفة.


إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا



هناك تعليق واحد :